[
رابعاًً : إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل :/CENTER]
يقول ربنا ـ تبارك وتعالى ـ في محكم كتابه :
(1) " تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْل " ( آل عمران:27) .
(2) " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ
النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ " (
الحج:61) .
(3) " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ
وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ
يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ " ( لقمان:29) .
(4) " يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي
اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ
مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ
مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ " ( فاطر:13) .
(5) " يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي
اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " ( الحديد:6) .
والولوج لغةً : هو الدخول, ولما كان من غير المعقول دخول زمن على زمن،
اتضح أن المقصود بكلٍ من الليل والنهار ليس الزمن ولكن المكان الذي يتغشاه
كلٌ من الليل والنهار ـ وهو الأرض .
وعلى ذلك فمعنى قوله ـ تعالى ـ : " يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ
وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ " (الحج:61) أن الله ـ تعالى ـ يُدخل
الجزء من الأرض الذي يخيم عليه الليل بالتدريج في مكان الجزء الذي يعمه نور
النهار, ويدخل الجزء من الأرض الذي يعمه نور النهار في مكان الجزء الذي
يخيم عليه الليل، وذلك باستمرار, وبطريقة متدرجة, إلى أن يرث الله
الأرض ومن عليها .
وليس هنالك من إشارة أدق من ذلك في التأكيد على حقيقة دوران الأرض حول
محورها أمام الشمس, وهذه الإشارة القرآنية تلمِّح أيضاً إلى كروية
الأرض؛ لأنه لو لم تكن الأرض كروية الشكل, ولو لم تكن الكرة تدور حول
محورها أمام الشمس، ما أمكن لليل والنهار أن يتعاقبا بطريقة تدريجية
ومطردة .
خامساً : سلخ النهار من الليل :
يقول ربنا ـ تبارك وتعالى ـ : " وآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ " (يس:37) .
والسلخ لغةً : هو نزع جلد الحيوان عن لحمه, ولما كان من غير المعقول أن
يسلخ زمن النهار من زمن الليل, كان المقصود بكلٍ من الليل والنهار هنا هو
مكان كلٍ منهما على الأرض, الذي يتبادل فيه النور والظلام وليس
زمانه, وعلى ذلك فمعنى قوله ـ تعالى ـ : " وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ
نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ " (يس:37) أن الله ـ
تعالى ـ ينزع طبقة النهار من أماكن الأرض التي يتغشاها الليل كما ينزع جلد
الحيوان عن لحمه, ولا يكون ذلك إلا بدوران الأرض حول محورها أمام
الشمس, وفي تشبيه إزالة نور النهار من غلاف الأرض بنزع جلد الحيوان عن
لحمه تأكيد على أن نور النهار إنما ينشأ في طبقة رقيقة من الغلاف الغازي
للأرض تحيط بكوكبنا ( كما يحيط جلد الحيوان بجسده), وأن هذا النور
مكتسَب أصلاً من ضوء الشمس وليس ذاتياًً, وأنه ينعكس من سطح الأرض ويتشتت
في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي المحيط بها, والذي يصبح ظلاماً
ببعده عن آشعة الشمس, كما أن الظلام سائد في الفضاء الكوني بصفة عامة
لعدم وجود جسيمات كافية فيه لإحداث التشتت لضوء الشمس ولضوء غيرها من
النجوم, وهذا الضوء لا يظهر إلا بالانعكاس على أسطح الكواكب وأسطح غيرها
من الأجرام المعتمة، أو بالتشتت في أغلفتها الجوية إن كانت بها جسيمات
كافية للقيام بهذا التشتت .
سادساًً : اختلاف الليل والنهار :
وفي ذلك يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ :
(1) " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الَليْلِ
وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ
النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ
الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ
الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ
لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " (لبقرة:164) .
(2) " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ " ( آل عمران:190) .
(3) " إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ
فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ "
(يونس:6) .
(4) " هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ " ( المؤمنون:80) .
(5) " وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ
السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ "
( الجاثية:5) .
(6) " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ
أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً " ( الفرقان:62) .
وفي تلك الآيات يؤكد القرآن الكريم كروية الأرض, ودورانها حول محورها
أمام الشمس بالوصف الدقيق لتعاقب الليل والنهار, كما سبق أن أكد ذلك في
آيات سبح كلٍ من الليل والنهار, ومرور الجبال مر السحاب, والتكوير
والإغشاء, والولوج, والسلخ, وهي تصف حركة تولِّد الليل من النهار,
والنهار من الليل, وصفاً غاية في البلاغة و الدقة العلمية .
سابعاًً : تقليب الليل والنهار :
يعني دوران الأرض حول محورها أمام الشمس، كذلك يشير القرآن الكريم إلى ذلك
أيضاً بقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ : " يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ " (
النور:44) .
حركات الأرض في العلوم الحديثة :
الأرض هي أحد كواكب المجموعة الشمسية, وتمثل الكوكب الثالث بُعْداً عن
الشمس, وتبعد عنها بمسافة تقدر بحوالي المائة وخمسين مليون كيلومتر .
ولما كانت كل أجرام السماء في حركة دائبة, فإن للأرض عدة حركات
منتظمة, منها دورتها حول محورها أمام الشمس، والتي يتبادل بواسطتها الليل
والنهار, وجريها في مدارها حول الشمس بمحور مائل فيتبادل كلٌ من الفصول
والأعوام, وحركتها مع الشمس حول مركز للمجرة, ومع المجرة حول مراكز
أكبر إلى نهاية لا يعلمها إلا الله .
وقد عُرف من حركات الأرض ما يلي :