الحطاب والهارب
بينما
كان حطاب يحطب ويجمع الحطب ويصنع منه أكواماً قبل نقله إلى بيته ، إذا
بشاب يركض ويلهث من التعب ، فلما وصل إليه طلب منه أن يخبئه في أحد أكوام
الحطب كي لا يراه أعداؤه الذين هم في أثره يريدون قتله ، فقال الحطاب :
أدخل في ذلك الكوم الكبير ، فدخل وغطاه ببعض الحطب كي لا يرى منه شيء .
وأخذ الحطاب يحتطب ويجمع الحطب .
وبعد قليل أبصر
الحطاب رجلين مسرعين نحوه ، فلما وصلا سألاه عن شاب مر به قبل قليل ووصفاه
له ، وإذا به الشاب نفسه المختبئ عنده ، فقال لهم : نعم لقد رأيته وخبأته
عنكما في ذلك الكوم ابحثوا عنه فأنكم ستجدونه ، والشاب في كوم الحطب يسمع
الحديث ، فكاد قلبه يقف لشدة الخوف والهلع عندما سمع الحطاب يخبرهم بمكانه .
فقال أحدهما للآخر :
إن هذا الحطاب الخبيث يريد أن يشغلنا في البحث عنه في كوم الحطب الكبير
هذا ليعطيه فرصة للهرب ، لا تصدقه ، فليس من المعقول أن يخبئه ثم يدل عليه ،
هيا نسرع للحاق به .
ومضيا في طريقهما مسرعين .
ولما ابتعدا
واختفيا عن الأنظار خرج الشاب من كوم الحطب مذهولاً مستغرباً ، وقد بدت
عليه آثار الاضطراب والخوف والغضب ، فقال معاتباً الحطاب :
كيف تخبئني عندك وتخبرهم عني ،
أليس لك قلب يشفق ؟ !
أليست عندك رحمة
.. أليس .. أليس ... ؟
فقال الحطاب :
يا بني إذا كان الكذب ينجي فالصدق أنجى ، ووالله لو كذبت عليهم لبحثوا عنك ووجدوك ثم قتلوك .
سر على بركة الله وإياك والكذب .
وأعلم أن الصدق طريق النجاة .